اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
32545 مشاهدة
باب الخروج في طلب العلم


باب الخروج في طلب العلم.
ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد.
قال: حدثنا أبو القاسم خالد بن خلي قال:حدثنا محمد بن حرب قال: حدثنا الأوزاعي أخبرنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس أنه تمارى هو و الحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى فمر به أبي بن كعب فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه، هل سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر شأنه؟
فقال أبي: نعم. سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر شأنه يقول: بينما موسى في بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال: أتعلم أحدا أعلم منك؟ قال موسى لا. فأوحى الله -عز وجل- إلى موسى بلى. عبدنا خضر فسأل السبيل إلى لقيه فجعل الله له الحوت آية، وقيل له: إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه، فكان موسى -صلى الله عليه- يتبع أثر الحوت في البحر فقال فتى موسى لموسى: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ قال موسى ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فوجدا خضرا فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه .


هذه القصة ذكرها مختصرة، وفي هذا دليل على الرحلة في طلب العلم، فهذا نبي الله موسى أوحى الله إليه وأنزل عليه التوراة فيها هدى ونور، وكذلك علمه وكلمه، ومع ذلك أحب التزود لما ذكر الله له أن خضرا الذي هو عبد من عباد الله أعلم منه سأل السبيل إليه وقال: ربي أريد أن ألقاه، فجعل الله تعالى له هذا الحوت وقال: إذا فقدت الحوت فإنك تجده، وهو في مجمع البحرين ؛ فكان يمشي والحوت معه في مكتل -أي في زنبيل-.
ولما بلغ مجمع البحرين انتفض الحوت وتحرك ودخل في البحر، وخرق البحر وصار طريقه يبسا، فاتخذ سبيله في البحر يبسا وكان لموسى وفتاه عجبا، يعني كيف أن هذا الحوت لما دخل في البحر صار الطريق الذي يمر عليه يابسا؛ بحيث إنه إذا تبعه وصل إلى مقصده؟! وهذه معجزة أيضا، كيف مضى في البحر حتى صار طريقه يبسا -طريق ذلك الحوت- ولما فقدا الحوت قال فتاه: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ نسيه في ذلك المكان فقال موسى ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ هذا هو قصدنا فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فعند ذلك وجد الخضر وجد الخضر وفي القصة كلام طويل ذكره البخاري وغيره.